تعود أحداث هذه القصة إلى عصرٍ موغلٍ في القدم، وفي بلاد لا تمتّ لنا بصلة؛ بلاد فيها القيصر قيصر والكلاب كلاب والخيزرانة خيزرانة.. والمراهقة السياسية في أوجها.. والذي منّو.. وكان لجاري حمار.. أو وكان لحماري جار.. لا يهم.. يتبوّأ منصباً مرموقاً في البلدية، رغم أن معظم ناخبيه كانوا يعلمون بأنه حمار إلا أن الورقة الانتخابية لم تكمن تحمل خياراً آخر.. ولأن الشعب ديمقراطي ويحب الديمقراطية ويعمل على تنفيذها فكان يجب أن يمارس هذ الحق الديمقراطي (الانتخاب).. وكان لصاحبنا مثله مثل أيّ مثقف وشاعر مخضرم فلسفته الحياتية الخاصة، حيث كان لا يتوانى عن قصف الأعداء من رجعية وإمبريالية وتخلّف رافعاً شعار الاشتراكية والحق والعدالة والديمقراطية والمساواة.. والذي منو، وكان يؤمن أيضاً بمبدأه الخاص “الكذب أمامك والقبر قدّامك، سِر فعين المخابرات تحميك!!”.. وقد نقش على كرسيه يوماً: “كأننا والماء من حولنا .. قومٌ جلوس حولهم ماء”.. أما الشعب في ذلك الوقت فكان مجموعة من البشر المترهلين المصابين بالأنيميا الخبيثة تراهم دائماً في طوابير أمام المؤسسات الحكومية، أو مصانع الخبز أو يؤدون حركات الانحناء اليومية أمام الوالي.. وكان رجال الشعب عبارة عن أنابيب منوية ونسائه أجهزة تفريخ، وكان هذا هو النشاط الوحيد المسموح بممارسته عند الشعب لقتل الضجر حتى الفجر والتسلية والترفيه وحرية التعبير عن الرأي.. فكانت الأرقام الوطنية في دائرة الإحصاء الرسمية تزداد باضطراد..
ثم مرّت الأيام والأعوام ولو كنا في إحدى المسلسلات التركية المدبلجة هذه الأيام لظهرت لكَ عبارة (وبعد كذا سنة) أو (وبعد مرور كذا عام على هذا) لترى بأن الممثلون قد كبروا فلم تعد تعرف أي ممثل كان يمثل أي دور.. لكنك لحسن حظك لن تواجه هذه المشكلة في هذه القصة فأبطال القصة لم يتغيروا أبداً.. بعد كل ذلك الوقت التقيت بذلك الجار مرة أخرى وأنا عائد للوطن عند بوابة المطار.. قيل أنه كان ذاهباً ليلقي محاضرة في “حقوق الإنسان”!!! في دولة مجاورة.. سألته بعد أن تبادلنا أطراف النفاق..: هل صدرت أخبار الانتخابات الجديدة؟!! فقال: “ألم تسمع.. لقد فاز القيصر مرة أخرى بنسبة 99.99%.. وأما بالنسبة إلى الواحد بالمئة فقد فاز بها لا أحد!!”!!!! ثم سألته عن حال “الشرطة” في البلاد و”الكرامة” و”الحرية” .. فقال: - “الشرطة في المركز التاني وأما الكرامة فقد خسر النهائي والحرية نزل إلى الدرجة الثانية من الدوري”. وعندما سألته عن حكمته في الحياة قال: ” حسنات الاستبداد خير من مساوئ الحرية”.. تلك حقاً.. “حكمة حمار”…